أ.د. محمد الرصاعي
عادت الحياة إلى طبيعتها في المدارس والجامعات، وبدأ عام دراسي جديد يحمل الأمل والتفاؤل باستعادة حالة التعافي، وانتهاء مظاهر الاضطراب والفوضى التي سادت في أثناء جائحة كورونا، وبدأ الطلبة يفدون إلى مدارسهم وجامعاتهم سعيا لاستعادة ما خسروه من العلوم والمعارف والمهارات.
ورغم الخسائر الكبيرة التي تسببت بها الجائحة وتداعياتها التي طالت جميع مظاهر حياة الناس ولا سيما قطاع التعليم، غير أن التعاطي مع الجائحة والتكيف مع ما فرضته من ظروف استثنائية حقق مجموعة من المكتسبات في مقدمتها تعزيز خطو عملية التعليم نحو الاستفادة من التكنولوجيا وتوظيف أدواتها، وتعزيز التعليم المتمازج الذي يحقق مكتسبات التدريس بكلا نمطيه حضوريا أو عن بُعد، فقد عمل التعليم بواسطة الأدوات التكنولوجية على فتح آفاق جديدة للتعلم وزاد من حجم الفرص، وساهم في بناء اتجاه نحو توظيف الأدوات الجديدة في منافع وغايات تصب في مصلحة الأفراد والمؤسسات، وقللت من الاتجاه السلبي المتمثل في استخدام مقصور لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات على أدوار سلبية للأفراد جعلتهم متلقين ومتأثرين، ومسلوبي الإرادة في تطوير ذواتهم ونمو ثقافتهم ومعرفتهم الإيجابية، إلى جانب ضآلة حجم تأثيرهم في مجتمعاتهم.
لقد ساهمت الجائحة في تعزيز السلوكات الصحية بين الطلبة وسلطت الضوء على أهمية دور مناهج التعليم في بناء ثقافة الصحة الشخصية والصحة النفسية وتنمية مهارات السلوك الصحي السليم، ومعايير وضوابط البيئة الصحية في المدارس والجامعات، كما كشفت الجائحة عن خلل واضح في منظومة التعلم ظهر في دوافع الطلبة للتعلم وحرصهم على استمرار تعلمهم..
ورغم توجيه اللوم في هذا الاتجاه للتعليم عن بعد غير أن الحقيقة في أن السبب وراء هذا الخلل هو بشري وليس تقنياً بالمطلق، وهذا يدفع القائمين على رسم سياسات التعليم إلى مراجعة عناصر العملية التعلمية وتحديد أسباب الخلل ووضع الخطط والبرامج المناسبة التي تزيد من دوافع الطلبة للتعلم واكتساب مستجدات المعرفة والثقافة.
نعم، نستطيع جعل الحالة التي مرت بها العملية التعليمية وقفة للتأمل ومراجعة لكثير من سياساتنا التعليمية، سعيا لتطوير البرامج التعليمية وتحويل بيئة المدارس والجامعات إلى بيئات جاذبة ومحفزة على التعلم، وتفعيل مرافق ومناهج التعليم المعتمد على البحث العلمي والتعلم الذاتي، إلى جانب إعادة الدور للتربية الرياضية والفنية والجمالية، وبرامج وأنشطة المبدعين والموهوبين، وبرامج ربط المدارس والجامعات بالمجتمعات المحلية.
علينا في قطاع التعليم ألا نعتبر التعافي يتمثل فقط في العودة إلى الحالة التقليدية المعتادة في فترة ما قبل الجائحة، بل نستطيع أن نفكر في حالة تعليمية أكثر صحة وتعافيا من خلال الإجابة عن أسئلة على شاكلة كيف ننمي دوافع الطلبة للتعلم والمعرفة؟ وكيف نجعل بيئة المدارس والجامعات ممتعة ومحفزة؟
[email protected]